الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ; لأَِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَنْ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَتَمَتَّعَ, فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهَا إلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ. وَقَدْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ رضي الله عنهم بِأَهْلِهِمْ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَإِنَّمَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام بِمَكَّةَ أَرْبَعًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, ثُمَّ رَجَعْنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّهُ إنْ أَقَامَ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَلَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُذْ يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَى أَنْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يُقْصِرُ الصَّلاَةَ. وَإِنْ كَانَ مَكِّيٌّ لاَ أَهْلَ لَهُ أَصْلاً, أَوْ لَهُ أَهْلٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَتَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, لأَِنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالأَهْلُ: هُمْ الْعِيَالُ خَاصَّةً هَاهُنَا; لأَِنَّ كُلَّ مَنْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قُرَيْشٍ فَإِنَّ أَهْلَهُمْ كَانُوا بِمَكَّةَ يَعْنِي أَقَارِبَهُمْ فَلَمْ يُسْقِطْ هَذَا عنهم حُكْمَ الْهَدْيِ أَوْ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما قَوْلُنَا: إنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رَأْسٌ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ مِنْ الإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ, أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ بَيْنَ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ, أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لَحْمًا لِلأَكْلِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ لِنَذْرٍ أَوْ لِتَطَوُّعٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ فِي ذَلِكَ الشَّاةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَرُوِيَ عَنْهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا, وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا فِي ذَلِكَ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ. كَمَا رُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت إلَى أَهْلِك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ الشَّاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: شَاةٌ شَاةٌ, وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ; لاَ; بَلْ بَقَرَةٌ, أَوْ نَاقَةٌ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ التَّرْتِيبَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حدثنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُسٍ يَزْعُمُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِقَدْرِ يَسَارِ الرَّجُلِ إنْ اسْتَيْسَرَ جَزُورٌ فَجَزُورٌ, وَإِنْ اسْتَيْسَرَ بَقَرَةٌ فَبَقَرَةٌ, وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْسِرْ إلاَّ شَاةً فَشَاةً. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا اسْتَيْسَرَ وَتَيَسَّرَ. قَالَ: فَإِنْ اسْتَيْسَرَ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِ, وَتَيَسَّرَ مَا شَاءَ. قال أبو محمد: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ، حدثنا أَبُو جَمْرَةَ هُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْته عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ, أَوْ بَقَرَةٌ, أَوْ شَاةٌ, أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ; وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَبِهَذَا نَأْخُذُ. فأما إجَازَةُ الشَّاةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ: وأما الشِّرْكُ فِي الدَّمِ فَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقُ, وَأَبُو ثَوْرٍ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ; إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لاَ يَجُوزُ الشِّرْكُ فِي الدَّمِ إلاَّ بِأَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَهُ لِلْهَدْيِ, وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُمْ. وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِأَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً, مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ, أَوْ كُلُّهُمْ مُفْتَدِينَ, وَنَحْوُ هَذَا. وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كَمَا قلنا, إلاَّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَابْنِ سِيرِينَ, كُلُّهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: يَقُولُونَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, مَا أَعْلَمُ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنْ النَّفْسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْت أَشْعُرُ أَنَّ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنْ النَّفْسِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْلَمُ وَمَا يُرَاقُ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ; وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَكَمُ, وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ, مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ, لأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ عَنْ هَذَا إلَى إجَازَةِ الاِشْتِرَاكِ, وَإِنَّمَا أَخْبَرَ هَاهُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، وَلاَ شَعَرَ بِهِ, وَلَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُوسَى الْعُقَيْلِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، حدثنا عَرِيفُ بْنُ دِرْهَمٍ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْجَزُورُ, وَالْبَقَرَةُ, عَنْ سَبْعَةٍ. قال أبو محمد: إجَازَتُهُ عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا, وَقَدْ جَاءَ هَذَا نَصًّا عَنْهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا مُجَالِدٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْبَقَرَةُ, وَالْبَعِيرُ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ أَلَهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي; فَقَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَعَرْتُ, فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عُمَرَ, وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ حَمَّادٌ, وَالْحَكَمُ, لَكِنْ كَرِهَاهُ فَقَطْ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُجِيزَانِ لِذَلِكَ, وَإِنَّمَا، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ رَأْيٌ لاَ عَنْ أَثَرٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ آنِفًا أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يُجِزْ الشَّاةَ فِي ذَلِكَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ عَمَّنْ يُهْدِي جَمَلاً فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاحِشِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ, أَوْ غَيْرُهُ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي مَكَان آخَرَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يُشْرِكُونَ السَّبْعَةَ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الإِبِلِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زَافِرٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: أَنَا وَأُمِّي أَخَذْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مِنْ بَقَرَةٍ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الأَضْحَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: تُنْحَرُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الْبَقَرَةُ, وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْبَقَرَةُ, وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الْجَزُورُ, وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَصَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ, وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ, وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَقَتَادَةَ, وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَغَيْرِهِمْ. وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أُبَيٌّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، حدثنا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهَا فَنَحَرَ عليه السلام ثَلاَثًا وَسِتِّينَ, فَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ, وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حدثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ. قال أبو محمد: فَصَحَّ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا وأما قَوْلُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ إلاَّ عَنْ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. فأما الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَضَرَ النَّحْرُ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ عَشَرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، حدثنا قَتَادَةُ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْبَدَنَةُ عَنْ عَشَرَةٍ: فَهَذَا اخْتِلاَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, عَلَى أَنَّنَا إذَا تَأَمَّلْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ, وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. وَكَذَلِكَ الأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام: نَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ, وَهَذَا حَقٌّ وَدَيْنٌ, وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ مَنْ نَحَرَهُمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ, أَوْ عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ ". وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ. فَنَعَمْ, قَالَ: الْحَقُّ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ, وَلَيْسَ فِي هَذَا مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِذَلِكَ, وَإِلاَّ فَلاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّعْوَى. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ , وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيّ قَالاَ جَمِيعًا حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ عَمَّنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا عُثْمَانُ، هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ نَرَى إلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ. قال أبو محمد: كُنَّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ تِسْعًا خَرَجَتْ مِنْهُنَّ عَائِشَةُ لأَِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَكِنَّهَا أَرْدَفَتْ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا كَمَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ فَبَقِيَ ثَمَانٍ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ كَمَا تَسْمَعُ وَنَحَرَ عليه السلام عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ بَقَرَةً وَاحِدَةً فَهَذَا عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا: هَذَا لَفْظٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا, وَفِيهِ: فَأَتَيْنَا بِلَحْمٍ, فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ عَمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيَّنَ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " وَفِيهِ قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ, فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ. فَبَيَّنَ سُفْيَانُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ نَفْسُهُ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَ كَانَتْ أَضَاحِيَ, وَالأَضَاحِيُّ غَيْرُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَنَجْمَعَ النَّفَرَ مِنَّا فِي الْفِدْيَةِ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي هَدْيِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ. قال أبو محمد: هَذَا سَنَدٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ, وَبَيَانٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ, وَالْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ; فَنَظَرْنَا فِي الآيَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا يَقُولُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ فَجَازَ الاِشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ بِظَاهِرِ الآيَةِ. فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَطْ قلنا: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هَدْيِ فَرْضٍ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ وَالثَّانِي: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا أَبُو الأَحْوَصِ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ حُنَيْنٍ " وَفِيهِ: أَنَّهُ عليه السلام قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ. قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مَعَ ظَاهِرِ الآيَةِ بِأَنَّ شَاةً تُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ, وَالإِحْصَارِ, وَالتَّطَوُّعِ, وَقَدْ عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ شِيَاهٍ بِبَعِيرٍ. فَصَحَّ أَنَّ الشَّاةَ بِإِزَاءِ عُشْرِ الْبَعِيرِ جُمْلَةً، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ كَالْبَعِيرِ فِي جَوَازِ الاِشْتِرَاكِ فِيهَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا. فَصَحَّ أَنَّ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ يُجْزِئَانِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ, وَعَشْرُ شِيَاهٍ تُجْزِئُ عَنْ عَشْرَةٍ, فَالْبَعِيرُ, وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ عَشَرَةٍ, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَبِهِ نَقُولُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما مَنْ مَنَعَ مِنْ اخْتِلاَفِ أَغْرَاضِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْهَدْيِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لِلْبَيْعِ, أَوْ لِلأَكْلِ لاَ لِلْهَدْيِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْبَدَنَةُ, وَلاَ الْبَقَرَةُ مُذَكَّاةً لِلْهَدْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ إلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. وَحُجَّةُ زُفَرَ: أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُحْصِرُ, وَالْمُتَمَتِّعُ, وَالْمُتَطَوِّعُ, وَالْقَارِنُ, فَلَمْ يَحْصُلْ مُذَكًّى لِمَا قَصَدَهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, وَالذَّكَاةُ لاَ تَتَبَعَّضُ. قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ; لأَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنْهُمْ فِي الْهَدْيِ وَ، أَنَّهُ قَالَ عليه السلام: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْجَزُورُ عَنْ سَبْعَةٍ فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ اتَّفَقَتْ أَغْرَاضُهُمْ مِمَّنْ اخْتَلَفَتْ; وَإِنَّمَا أُمِرْنَا فِي الْهَدْيِ بِالتَّذْكِيَةِ وَبِالنِّيَّةِ عَمَّا يَقْصِدُهُ الْمَرْءُ, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَحَصَلَتْ الْبَدَنَةُ, وَالْبَقَرَةُ مُذَكَّاةٌ إذْ ذُكِّيَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرِ مَالِكِهَا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا; ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا نِيَّةٌ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وأما قَوْلُنَا: لاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ, وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَنْحَرَهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ, وَيَنْحَرَهُ إلاَّ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ; فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وأما ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَِنَّ هَذَا الْهَدْيَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ, وَلَمْ يَحُدَّ آخِرَ وَقْتَ وُجُوبِهِ بِحَدٍّ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَيْنٌ بَاقٍ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى; وَالأَمْرُ بِهِ ثَابِتٌ حَتَّى يُؤَدَّى; وَمَنْ خَصَّهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ, وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ بَلْ هُوَ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ; وَالْعَجَبُ مِنْ تَجْوِيزِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ وَإِجَازَةِ أَصْحَابِهِ لِمَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وأما قَوْلُنَا: إنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُجْزِئُ فِي كُلِّ بَلَدٍ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ مَوْضِعَ أَدَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ, وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَصْرَهُ عَلَى مَكَان دُونَ مَكَان لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: فإن قيل: نَقِيسُ الْهَدْيَ عَلَى الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ; لأَِنَّهُ إنْ صَحَّحْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيضِ الإِطْعَامِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا; فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِكُمْ وَتَنَاقُضُهُ. قال أبو محمد: لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: وَقَالَ تَعَالَى: وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ. فَجَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَأَنَّ الْبُدْنَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ كُلِّهِ كَحُكْمِ الْبُدْنِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَدْ نَحَرْتُ هُنَا, وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ. حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ: هَذَا الْمَنْحَرُ, وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ وَقَالَ عليه السلام فِي مِنًى: هَذَا الْمَنْحَرُ, وَفِجَاجُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ فَصَحَّ أَنَّهُ حَيْثُمَا نُحِرَتْ الْبُدْنُ, وَالإِهْدَاءُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَدْ أَصَابَ النَّاحِرُ, وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلاَّ مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصِرِ, وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ. وَرُوِّينَا عَنْ طَاوُسٍ, وَعَطَاءٍ قَالاَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَهُوَ بِمَكَّةَ, وَالصِّيَامُ وَالإِطْعَامُ حَيْثُ شِئْتَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: انْحَرْ حَيْثُ شِئْت. وأما قَوْلُنَا: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ سَاكِنِينَ فِي الْحَرَمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ فِي تَمَتُّعِهِ هَدْيٌ، وَلاَ صَوْمٌ, وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي تَمَتُّعِهِ وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُسِيءٌ فِي تَمَتُّعِهِ:. قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ; فَصَحَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ. قال أبو محمد: لَيْسَ كَمَا قَالُوا; لأَِنَّ الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لاَ يُحَقِّقُ; فَهُوَ لَهُمْ لاَ عَلَيْهِمْ. بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ, وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً, وَلاََحْلَلْتُ أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام; فَأَخْبَرَ عليه السلام بِفَضْلِ الْمُتْعَةِ, وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ, وَأَسْقَطَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْهَدْيَ عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالصَّوْمَ فِيهَا لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ, وَظَاهِرُهُ الرِّفْقُ بِهِمْ, لأَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ لِسُهُولَةِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلاِِمْكَانِهَا لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلاَفِ أَهْلِ الآفَاقِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيُبْطِلُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ: أَنَّ الآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ لَحُرِّمَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ; وَهَذَا خِلاَفُ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْعُمْرَةِ, وَأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا, فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ. رُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، حدثنا الْحَجَّاجُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ , وَوَكِيعٌ, قَالَ هُشَيْمٌ حدثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ, وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ, قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ النَّخَعِيِّ, وَقَالَ يُونُسُ: عَنْ الْحَسَنِ, وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ; ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ, وَطَاوُسٌ, وَمُجَاهِدٌ, وَالْحَسَنُ, وَالنَّخَعِيُّ, قَالُوا كُلُّهُمْ: لَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, وَمَعْمَرٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ, وَقَالَ مَعْمَرٌ, عَنْ الزُّهْرِيِّ; ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ, وَعَطَاءٌ قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَكِّيِّ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ فَيَعْتَمِرُ مِنْهُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَبِهَذَا نَقُولُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَتَمَتَّعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. قال أبو محمد: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لأَِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَزَعَمَ الْمَالِكِيُّونَ: أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لاِِسْقَاطِهِ سَفَرَ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ. قال علي: وهذا بَاطِلٌ بَحْتٌ, وَالْعَجَبُ مِنْ تَسْهِيلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَفْتَضِحُونَ بِهِ مِنْ قُرْبٍ, وَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ نَفْسُهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ فَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ, وَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ عَلَيْهِ هَدْيًا، وَلاَ صَوْمًا, ثُمَّ تَقُولُونَ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَا وَرَاءَ أَبْعَدِ الْمَوَاقِيتِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْهُ, وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ, أَوْ الشَّامِ, أَوْ الْعِرَاقِ: أَنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ, وَلَمْ يَسْقُطْ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ, وَيَقُولُونَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ لاَ يُرِيدُ حَجًّا, وَكَانَتْ حَاجَتُهُ بِعُسْفَانَ, أَوَبِبَطْنٍ; فَلَمَّا صَارَ بِهَا بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَحَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ: فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ, وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ إلَى الْحَجِّ, وَإِلَى الْعُمْرَةِ أَيْضًا; وَلَعَمْرِي مَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ, أَوْ عَقْلٌ أَنْ يُطْلِقَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وأما قَوْلُنَا: وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ الْهَدْيُ هُوَ مَنْ ابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ لَهَا فِي أَحَدِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً, وَيُتِمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ إلَى أُفُقٍ أَبْعَدَ مِنْ مَنْزِلِهِ, أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ, أَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ, اعْتَمَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عُمَرًا كَثِيرَةً أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ, وَلاَ صَوْمَ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ, أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ عَمِلَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلاَّ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ بِاَلَّذِي تَصْنَعُونَ يَتَمَتَّعُ أَحَدُكُمْ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ, وَلَكِنَّ الْحَاجَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ أَوْ كُسِرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً, وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ, وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: الْمُتْعَةُ لِمَنْ أُحْصِرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَيِّ أَشْهُرِ السَّنَةِ كَانَتْ عُمْرَتُهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ, فَهَذَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ; وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يَحُجَّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ: إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ, وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا الْعُمَرِيُّ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ, وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ حَفْصٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, ذَاكَ مَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الْمُغِيرَةِ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا: مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَهَا, ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ, فَإِنْ خَرَجَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ حَتَّى يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ فَإِذَا سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ قَالَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ طَافَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ, رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: أَحْرَمْنَا بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ فَسَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فَكُلُّهُمْ قَالَ: هِيَ مُتْعَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ عَنْ مَطَرٍ بِصَلاَتِهِ عَنْ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ فِي رَمَضَانَ وَطَافَ فِي شَوَّالٍ قَالاَ جَمِيعًا: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي طَافَ فِيهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَبَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا; فَإِنْ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ, وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ, وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ الْمُحْرِمُ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا مَكَثَ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَدْ اسْتَمْتَعَ, وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, أَوْ الصِّيَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا: وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سَيْفٍ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَنَّ قَوْمًا اعْتَمَرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمْ الْهَدْيُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ فِي مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُعْتَمِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ: لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, قُلْت لَهُ: أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ قَالَ: بَلْ عِلْمٌ. قال أبو محمد: إنَّمَا وَافَقْنَا عَطَاءً فِي أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مَنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا ثُمَّ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَلَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا, بَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا هُشَيْمٌ, وَأَبُو عَوَانَةَ, قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ قَالاَ: فِي الْمُتَمَتِّعِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, وَإِنْ رَجَعَ إلَى بِلاَدِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ كَذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ, فَمَا دُونِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ, ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى مَا وَرَاءَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَقَالُوا: مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّ عُمْرَتَهُ, فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ, فَإِنْ حَلَّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لاِِحْلاَلِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إلَى أُفُقٍ دُونَ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, فَإِنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَلِكَ الَّذِي يَعْتَمِرُ فِي شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ, ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أُفُقِهِ أَوْ أُفُقٍ مِثْلِ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ أَقَامَ أَوْ خَرَجَ إلَى مَا دُونَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ; فَإِنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ:. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْسِيمِهِ بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ وَالأَقَلِّ فِيمَا يَكُونُ بِهِ مُتَمَتِّعًا, فَقَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ:. قال أبو محمد: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُتْعَةِ, وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهَا خَطَأٌ; لأَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْحَائِضَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلأَِنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً وأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ الْمُرِيدَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى الآثَارِ الْوَارِدَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِهِ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ, وَمَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالإِحْلاَلِ; وَالاِحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الآثَارِ لِقَوْلٍ أَبِي حَنِيفَةَ جَهْلٌ مُظْلِمٌ وَقَوْلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ, أَوْ تَعَمُّدٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكِلاَهُمَا بَلِيَّةٌ; لأَِنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الآثَارِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ مِنْ الْمُفْرِدِينَ لِلْحَجِّ وَالْقَارِنِينَ بِالإِحْلاَلِ, وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ; وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مُعْتَمِرًا لَمْ يُقْرِنْ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذِكْرِنَا عَمَلَ الْحَجِّ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وأما قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ السَّعْيِ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَهُلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ لَهُ أَيْضًا مُتَعَلَّقٌ فِي ذَلِكَ لاَ بِقُرْآنٍ, وَلاَ بِسُنَّةٍ, وَلاَ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ سَقِيمَةٍ, وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ أَصْلاً, وَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي سَائِرِ الأَقْوَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ: أَحَدُهَا: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَالثَّانِي: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ; وَالثَّالِثُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ; وَالرَّابِعُ: هَلْ الْمُتَمَتِّعُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْ لَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا: فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا فَوَجَدْنَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَدْ خَالَفُوهُ; وَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ; بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خَطَئِهِ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إدْرَاكِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ: مُحْصَرًا, وَلَمْ يُسَمِّهِ: مُتَمَتِّعًا وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ, قَالَ تَعَالَى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَقَالَ تَعَالَى: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَفَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَ اسْمَيْهِمَا وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا; فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ طَاوُسٍ: إنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ, فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا إلاَّ مَنْ حَجَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ اعْتَمَرَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا, وَبَعْضَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا, وَفِيمَنْ أَقَامَ مِنْ هَؤُلاَءِ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْ لَكِنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاَةُ أَوْ لاَ تُقْصَرُ, أَوْ إلَى مِيقَاتٍ أَوْ وَرَاءَ مِيقَاتٍ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ, ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَكَانَ كُلُّ هَؤُلاَءِ مُمْكِنًا فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَمُمْكِنًا أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِعَ عَلَى أَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةِ هَدْيٍ أَوْ إيجَابُ صَوْمٍ بِالظَّنِّ إلاَّ بِبَيَانٍ جَلِيٍّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ ذَلِكَ, فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حدثنا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى, فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ; فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِهَذَا أَصْحَابَهُ الْمُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَهُمْ قَوْمٌ ابْتَدَءُوا الإِحْرَامَ لِعُمْرَتِهِمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجُّوا فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَخَرَجَ بِهَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ كُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ أَقَلِّهَا; لأَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُخَاطِبْ بِهَذَا الْحُكْمِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِلاَ شَكٍّ وَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ فِي أَمْرِ هَؤُلاَءِ بِيَقِينٍ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا دُونَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ هُوَ الأَكْثَرُ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَقَلِّ; لأَِنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَك وَعِنْدَنَا إحْرَامُ مُدَّةٍ ثُمَّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ, ثُمَّ سَبْعَةِ أَطَوَافً بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ; فَالْبَاقِي بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا مَضَى لَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ مِنْ عُمْرَتِهِ شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا دُونَ أَنْ تَقُولَ: إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً; وَكِلْتَا الدَّعْوَتَيْنِ تُعَارِضُ الآُخْرَى, وَكِلْتَاهُمَا لاَ شَيْءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ أَمْرُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى بَلَدِهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ, أَوْ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ, أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ, أَوْ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ: فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنِ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ إقَامَةً بِمَكَّةَ وَتَرْكَ خُرُوجٍ مِنْهَا أَصْلاً وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَانَهُ حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيَانٍ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ, وَظَنٍّ كَاذِبٍ, وَتَدَافُعٍ مِنْ الأَقْوَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ: وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ بَيَانٌ بِإِبَاحَةِ الْمُهْلَةِ بَيْنَ الإِحْلاَلِ وَالإِهْلاَلِ، وَلاَ مَانِعَ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْهُمْ رضي الله عنهم حَاجَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ مَكَّةَ لَهَا فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الإِقَامَةُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَصَحَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَهَكَذَا يُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا وَهَلاَّ خَصَّصَتْ بِسُقُوطِ التَّمَتُّعِ مَنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَقَطْ; وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا: هَلاَّ قُلْتُمَا مَنْ خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ:. قال أبو محمد: لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلاً إلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَنَقُولُ لِمَنْ قَالَ هَذَا: قُلْت الْبَاطِلَ, وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلاَ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ، وَلاَ مِنْ مِيقَاتٍ، وَلاَ بُدَّ; بَلْ أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الاِسْتِطَاعَةِ لِلْحَجِّ لَوْ خَرَجَ تَاجِرًا أَوْ مُسَافِرًا لِبَعْضِ الأَمْرِ قَبْلَ مِقْدَارٍ مَا إنْ أَرَادَ الْحَجَّ كَانَتْ لَهُ مُهْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا أَهَلَّ فِيهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ عَلَى سَعَةٍ وَمَهْلٍ, فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ أَصْلاً, وَأَنَّهُ إنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَتِهِ فَقَرُبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ بِمُسْتَطِيعٍ لَهُ فَحَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَتَمِّ مَا يَلْزَمُهُ, وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَأْتِ لِلْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لاَ خِلاَفَ فِيمَنْ جَازَ عَلَى مِيقَاتٍ لاَ يُرِيدُ حَجًّا, وَلاَ عُمْرَةً, وَلاَ دُخُولَ مَكَّةَ لَكِنْ لِحَاجَةٍ لَهُ فِي رِهَاطٍ أَوْ فِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِهْلاَلُ مِنْ هُنَالِكَ, وَأَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَقَدْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَإِنَّهُ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ, وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ, وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ بَلَدِ الإِنْسَانِ, أَوْ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ, أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِ, وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ, وَلاَ الْعُمْرَةِ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ الْفَاسِدَةُ جِدًّا, وَكَانَ تَعَارُضُهَا وَتَوَافُقُهَا بُرْهَانًا فِي فَسَادِ جَمِيعِهَا, فَإِنْ قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ; لأَِنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَتُّعُ قلنا لَهُ: قَدْ قُلْتَ الْبَاطِلَ, وَاحْتَجَجْت لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ, وَلِدَعْوَى كَاذِبَةٍ, وَكَفَى بِهَذَا مَقْتًا. فَإِنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ قلنا: قُلْت الْبَاطِلَ وَادَّعَيْت مَا لاَ يَصِحُّ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَك لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْك; لأَِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ, وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ كَذَلِكَ, بَلْ الْهَدْيُ عَلَيْهِ, أَوْ الصَّوْمُ; فَهَلاَّ إذْ كَانَ عِنْدَك مَنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَمَا دُونَهُ إلَى مَكَّةَ يَصِيرُ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ, جَعَلْت أَيْضًا الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عنهما فَظَهَرَ تَنَاقُضُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَيْضًا. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ, سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَصْلاً. فَإِنْ قَالَ: لأَِنَّهُ قَدْ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ قلنا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمَا الَّذِي جَعَلَ سَفَرَهُ مُسْقِطًا لِلْهَدْيِ, وَالصَّوْمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ هَاتُوا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قال أبو محمد: وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَأَصْحَابُهُ فِي إيجَابِهِمْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ: أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ:. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لأَِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ إثْرَ هَذَا الْكَلاَمِ صِفَةَ عَمَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَذَكَرَ صِفَةَ الْقِرَانِ. وَهَكَذَا صَحَّ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ, وَعَائِشَةَ, وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ, وَأَنَسٍ, وَغَيْرِهِمْ: أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ عليه السلام إذْ أَهْدَوْا بِأَنْ لاَ يَحِلُّوا إنَّمَا كَانُوا قَارِنِينَ وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهِ فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قال قائل: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ; ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, أَوْ الصَّوْمُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ عُمْرَتِهِ, وَحَجِّهِ مِنْ مَكَّةَ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ أَمْ لاَ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ قلنا: هَذَا خَطَأٌ, وَمَا أَجْمَعَ النَّاسُ قَطُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ; وَقَدْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْمُحْصَرُ لاَ مَنْ حَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ, وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الإِجْمَاعِ مَعَ وُرُودِ بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ; لأَِنَّ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا إيجَابَ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ عليه السلام مَا لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَيْهَا; وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ بَلْ إذَا تَنَازَعَ النَّاسُ رَدَدْنَا ذَلِكَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَّةِ لاَ نُرَاعِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ بَيَانِ السُّنَّةِ فِي أَحَدِ أَقْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما قَوْلُنَا: لاَ يَجِبُ الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَإِلاَّ فَحَسَنٌ; فَإِنَّ مَالِكًا وَمَنْ قَلَّدَهُ قَالَ: لاَ يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يُبْتَاعُ فِي الْحَرَمِ إلاَّ أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ، وَلاَ بُدَّ; وَإِلاَّ فَلاَ يُجْزِئُ إنْ كَانَ وَاجِبًا; فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ، وَلاَ بُدَّ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْحَرَ بِمِنًى, فَإِنْ اُبْتِيعَ الْهَدْيُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ أَجْزَأَ, وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ وَالإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ: وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, وَسُفْيَانُ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ مَعْنَى لِلتَّعْرِيفِ بِالْهَدْيِ سَوَاءٌ اُبْتِيعَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ, إنْ عَرَّفَ فَجَائِزٌ, وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَجَائِزٌ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لاَ قَبْلَهُ، وَلاَ مَعَهُ, وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا أَصْلاً لاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ سَلَفٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ مَعْنَى. وأما قَوْلُ اللَّيْثِ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ, وَإِسْرَائِيلَ, وَيُونُسَ بْنِ يُونُسَ, قَالَ حَجَّاجٌ: عَنْ عَطَاءٍ; وَقَالَ إسْرَائِيلُ: عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ عَنْ طَاوُسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ بِالْبُدْنِ. قال علي: وهذانِ مُرْسَلاَنِ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ, ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ, وَإِسْرَائِيلَ, وَثُوَيْرًا كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ, لأَِنَّ هَذَا فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِمَالِكٍ لأَِنَّهُ شَرَطَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا, وَهَدْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا سِيقَ مِنْ الْمَدِينَةِ بِلاَ خِلاَفٍ; وَمَالِكٌ لاَ يُوجِبُ التَّوْقِيفَ بِعَرَفَةَ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الْحِلِّ. وَيُحْتَجُّ لِقَوْلِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قُلِّدَ, وَسِيقَ, وَوُقِفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ لَمْ يُشْعَرْ وَيُقَلَّدْ وَيُفَضْ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ إنَّمَا هِيَ ضَحَايَا. قَالَ عَلِيٌّ: مَالِكٌ لاَ يُحْتَجُّ لَهُ بِهَذَا; لأَِنَّهُ لاَ يَرَى التَّرْكَ لِلتَّقْلِيدِ وَلِلإِشْعَارِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا. قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنْ شِئْت فَعَرِّفْ الْهَدْيَ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُعَرِّفْ بِهِ إنَّمَا أَحْدَثَ النَّاسُ السِّيَاقَ مَخَافَةَ السُّرَّاقِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: دَعَا الأَسْوَدُ مَوْلًى لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِمَا قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ, فَقَالَ: نَعَمْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت: أُعَرِّفُ بِالْهَدْيِ فَقَالَتْ: لاَ عَلَيْك أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْرِيفِ بَدَنَةٍ أُدْخِلَتْ مِنْ الْحِلِّ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّهُ لَمْ يَرَ هَدْيًا إلاَّ مَا عُرِّفَ بِهِ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً. قال أبو محمد: لَمْ يَأْتِ أَمْرٌ بِتَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ يَجِبُ إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا, وَلاَ قِيَاسَ يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا; لأَِنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّاسَ لاَ الإِبِلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما قَوْلُنَا: وَلاَ هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ غَيْرُ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, وَهُوَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ سَوَاءٌ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ فَإِنَّ مَالِكًا, وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ: عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي تَعْوِيضِ الصَّوْمِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا, وَلَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ عِنْدَهُمَا هَدْيٌ, وَلاَ صَوْمٌ إنْ قَرَنَ, كَمَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّمَتُّعِ. وقال مالك: لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ مَكِّيًّا قَرَنَ. وقال أبو حنيفة: إنْ تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ هَدْيَ, وَلاَ صَوْمَ وَإِنْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهُ صَوْمٌ وَجَدَ هَدْيًا أَوْ لَمْ يَجِدْ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: وَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ قَالَ: فَإِنْ تَمَتَّعَ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ قَرَنَ; فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ وُجُوهٌ جَمَّةٌ مِنْ الْخَطَأِ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ تَقْسِيمٌ لاَ يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ, وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ قِرَانِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ. الثَّالِثُ تَعْوِيضُهُ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ, وَمَنْعُهُ مِنْ تَعْوِيضِهِ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ الْمَكِّيِّ; كُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ لاَ سَلَفَ لَهُ فِيهِ, وَلاَ دَلِيلَ أَصْلاً. فَقَالُوا: إنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَرَنَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي إسَاءَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْ هَدْيهِ دَمٌ وَهَذَا قَاتِلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا دَاخِلٌ فِي أَعْظَمِ الإِسَاءَةِ وَأَشَدِّ الإِثْمِ, وَقَدْ عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا وَإِطْعَامًا وَخَيَّرَهُ فِي أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ وَهَذَا الْمُحْصَرُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ بَلْ مَأْجُورٌ مَعْذُورٌ وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا، وَلاَ إطْعَامًا; فَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِشَرْعِ الشَّرَائِعِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ وَأَيْضًا: فَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُمْ إذَا تَمَتَّعَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ أَوْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا, فَإِنْ كَانَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ هَدْيًا كَاَلَّذِي جَعَلُوا فِي الْقِرَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ إذَا قَرَنَ فِي إسَاءَةٍ فَهَلْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُونَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وأما نَحْنُ فَلَيْسَ الْمَكِّيُّ، وَلاَ غَيْرُهُ مُسِيئًا فِي قِرَانِهِ، وَلاَ فِي تَمَتُّعِهِ بَلْ هُمَا مُحْسِنَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلاَ فَرْقَ; فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَظِيمِ تَنَاقُضِهِ وَفَسَادِهِ, وأما مَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, فَإِنَّهُمَا قَاسَا الْقِرَانَ عَلَى الْمُتْعَةِ فِي الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد: الْقِيَاسُ كُلُّهُ خَطَأٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْخَطَأِ; لأَِنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ; لأَِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْعَلُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً، وَلاَ يَجْعَلُ الْقَارِنُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَنَا لاَ يَطُوفُ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا، وَلاَ يَسْعَى إلاَّ سَعْيًا وَاحِدًا وَالْمُتَمَتِّعُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ وَالْمُتَمَتِّعُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ, وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَلاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ. فَإِنْ قَالُوا: الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ هِيَ إسْقَاطُ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قلنا: هَذِهِ عِلَّةٌ مَوْضُوعَةٌ لاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلاَنَهَا مِرَارًا, وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَعَمِلَ عُمْرَتَهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ إثْرَ إحْلاَلِهِ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا، وَلاَ صَوْمَ; وَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ إلَى مَا دُونَ التَّنْعِيمِ دَاخِلَ الْعَامِ لِحَاجَةٍ فَلَمَّا صَارَ هُنَالِكَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا، وَلاَ عُمْرَةً بَدَا لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ; ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ عِنْدَهُمَا; وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ جَمِيعًا سَفَرَ الْحَجِّ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ. ثُمَّ يَقُولاَنِ فِيمَنْ حَجَّ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ إثْرَ ظُهُورِ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ, أَوْ إلَى مَدِينَةِ الْفُسْطَاطِ, وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّة عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ: فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, وَهُوَ لَمْ يُسْقِطْ سَفَرًا أَصْلاً; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لاَ عِلَّةَ أَفْسَدَ مِنْهَا, وَلاَ أَبْطَلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِمَّنْ يَرَى الْهَدْيَ فِي الْقِرَانِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْقِرَانَ: تَمَتُّعًا, وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ; فَإِذْ الْقِرَانُ تَمَتُّعٌ فَالْهَدْيُ فِيهِ, أَوْ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ. قال أبو محمد: لاَ يَخْتَلِفُ هَؤُلاَءِ رضي الله عنهم، وَلاَ غَيْرُهُمْ فِي أَنَّ عَمَلَ الْمُهِلِّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا هُوَ عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلِ الْمُهِلِّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ, ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ بِإِهْلاَلٍ آخَرَ مُبْتَدَأً; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَبْكَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إلاَّ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ عليه السلام بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ; ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْعَلَ مَعَ عُمْرَتِهِ حَجًّا. فَصَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِالْهَدْيِ, أَوْ الصَّوْمِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَارِنَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي, وَخَرَجَ بِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ, وَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ, وَلاَ صَدَقَةٌ, وَلاَ صَوْمٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَصَحَّ أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً, وَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام فِي ذَلِكَ هَدْيًا، وَلاَ صَوْمًا. فإن قيل: إنَّهَا رضي الله عنها: رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا. قلنا: إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا حَلَّتْ مِنْهَا فَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ; لأَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهَا أَنَّ طَوَافَهَا وَسَعْيَهَا يَكْفِيهَا لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا, وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكْفِيَهَا عَنْ عُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا; وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا رَفَضَتْهَا وَتَرَكَتْهَا بِمَعْنَى أَخَّرَتْ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَتْ وَسَعَتْ لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا مَعًا فَنَعَمْ, وَهَذَا قَوْلُنَا. فإن قيل: فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ فَجَعَلَ قَوْلَهَا, وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صَوْمٌ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ قلنا: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُمَيْرٍ, وَعَبْدَةَ جَعَلاَهُ مِنْ كَلاَمِ عَائِشَةَ, وَمَا ابْنُ نُمَيْرٍ دُونَ وَكِيعٍ فِي الْحِفْظِ, وَالثِّقَةِ, وَكَذَلِكَ عَبْدَةٌ; وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ قَالَتْهُ هِيَ, وَقَالَهُ هِشَامٌ, وَنَحْنُ أَيْضًا نَقُولُهُ. فإن قيل: قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا: نَعَمْ, وَقَدْ بَيَّنَ مَعْنَى ذَلِكَ الإِهْدَاءِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ أَضَاحِيَ, لاَ هَدْيَ مُتْعَةٍ, وَلاَ هَدْيًا عَنْ قِرَانٍ. قال أبو محمد: وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ, وَجَابِرٍ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى الْقَارِنِ قلنا: أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عُمَرَ, فَعَبْدُ السَّلاَمِ ضَعِيفٌ, وَأَبُو مَعْشَرٍ مِثْلُهُ , وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه. وأما الرِّوَايَةُ عَنْ جَابِرٍ فَرُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِغَيْرِ هَدْيٍ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَّا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ, فَمُوسَى ضَعِيفٌ, وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ عَجِبَ أَلْبَتَّةَ; ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا; لأَِنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنْ الْقِرَانِ دُونَ أَنْ يَسُوقَ مَعَ نَفْسِهِ هَدْيًا, وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عنهما لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكَانَ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَرُوِّينَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ مَعَ قَوْمٍ عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مَا كَفَّارَتُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَفَّارَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرَيْنِ, وَيَرْجِعُونَ بِأَجْرٍ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لاََفْتَاهُمْ بِهِ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَرَنَ بَيْنَ حَجٍّ, وَعُمْرَةٍ, وَلَمْ يُهْدِ قَالَ الْحَكَمُ: وَقَرَنَ أَيْضًا شُرَيْحٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَلَمْ يُهْدِ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَاةٌ, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ قلنا: نَعَمْ, وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ابْنَ عُمَرَ فِي هَذَا; وَمِنْ التَّلاَعُبِ فِي الدِّينِ أَنْ تُوجِبُوا قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, أَوْ مَالِكٍ, أَوْ الشَّافِعِيِّ, وَغَيْرَ حُجَّةٍ إذَا خَالَفَهُمْ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ. وأما قَوْلُنَا: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ, مِنْ مُعْتَمِرٍ, أَوْ قَارِنٍ, أَوْ مُتَمَتِّعٍ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ; فَفَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ, فَإِنْ تَرَدَّدَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلاَ بُدَّ, فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ, وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِأَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ, فَإِنْ خَرَجَ عَنْ مَنَازِلِ مَكَّةَ فَتَرَدَّدَ خَارِجًا مَاشِيًا, فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ إلاَّ الَّتِي تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَظِرَ طُهْرَهَا لِتَطُوفَ لَكِنْ تَخْرُجُ كَمَا هِيَ; فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ فَلاَ بُدَّ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى تَطْهُرَ, وَتَطُوفَ, وَتُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكِرَى وَالرُّفْقَةُ: فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حدثنا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ فَذَكَرَتْ حَيْضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عليه السلام: أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَلْتَنْفِرْ. قال أبو محمد: فَمَنْ خَرَجَ وَلَمْ يُوَدِّعْ مِنْ غَيْرِ الْحَائِضِ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضًا لاَزِمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا نَفَرُوا وَلَمْ يُوَدِّعُوا فَرَدَّهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَدَّعُوا. قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ. وقال مالك: بِتَحْدِيدِ مَكَان إذَا بَلَغَهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَدَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نِسَاءً مِنْ ثَنِيَّةَ هَرْشَى كُنَّ أَفَضْنَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ حِضْنَ فَنَفَرْنَ فَرَدَّهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطُفْنَ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ بَلَغَ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَا صَنَعَ فَتَرَكَ صُنْعَهُ الأَوَّلَ. قال أبو محمد: هَرْشَى هِيَ نِصْفُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بَيْنَ الأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الأَبْوَاءِ وَبِهَا عَلَمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلاَمَةً; لأَِنَّهُ نِصْفُ الطَّرِيقِ. وَقَدْ رُوِيَ أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْتَيَاهُ فِي الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ, ثُمَّ تَحِيضُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ ". قال أبو محمد: الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ دَاخِلاً فِي جُمْلَةِ أَمْرِهِ عليه السلام أَنْ لاَ يَنْفِرَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَعُمُومُهُ, وَكَأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عليه السلام الْحَائِضَ الَّتِي أَفَاضَتْ بِأَنْ تَنْفِرَ حُكْمًا زَائِدًا مَبْنِيًّا عَلَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ لِيُسْتَعْمَلَ الْخَبَرَانِ مَعًا، وَلاَ يُخَالَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأما قَوْلُنَا: مَنْ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ بِنِسْيَانٍ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ مِنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلْيَرْجِعْ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا مُمْتَنِعًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ, فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ فَلاَِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَرْضٌ. وَقَالَ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ, وَذُو الْقَعْدَةِ, وَذُو الْحِجَّةِ, فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لأَِحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وأما امْتِنَاعُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وأما رُجُوعُهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَيْسَ هُوَ فِي حَجٍّ, وَلاَ فِي عُمْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ, وَلاَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ; لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ, وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ, وَلاَ إحْرَامَ إلاَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ لِطَوَافٍ مُجَرَّدٍ فَلاَ. وأما قَوْلُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ, أَوْ حَتَّى وَطِئَ عَمْدًا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ, فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ فَأَمَرَ عليه السلام بِالرَّمْيِ الْمَذْكُورِ, وَأَمْرُهُ فَرْضٌ, وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ حَرَجَ فِي تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاقٍ مَا دَامَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَيْءٌ, وَلاَ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ; لأَِنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنْ ذَكَرَ, وَهُوَ بِمِنًى رَمَى, وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفِرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ. قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُبْطِلُ حَجَّ الْمُسْلِمِ بِأَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَمْنَى مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ, وَلاَ نَهْيَ عَنْ ذَلِكَ أَصْلاً لاَ فِي قُرْآنٍ, وَلاَ فِي سُنَّةٍ, وَلاَ جَاءَ بِإِبْطَالِ حَجَّةٍ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ حَجَّهُ بِتَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ, وَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ, وَقَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ. وأما قَوْلُنَا: إنَّهُ يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافٌ وَاحِدٌ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا, وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا, كَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي, ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحْلِقْ, وَلاَ قَصَّرَ, وَلاَ أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ, وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، حدثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حدثنا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ, وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا, وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّفَرِ: يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ فَأَبَتْ, فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : يُجْزِي عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حدثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ; وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا, وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ قَالَتْ شَأْنِي أَنِّي قَدْ حِضْتُ, وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ, وَلَمْ أَحْلِلْ, وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي, ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا أَشْهَبُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَاهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, ثُمَّ حَلُّوا, ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ; وأما الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، حدثنا أَبُو الْمُصْعَبِ, وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَكَانِيُّ قَالاَ جَمِيعًا حدثنا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لِلْقَارِنِ سَعْيٌ وَاحِدٌ, وَلِلْمُتَمَتِّعِ سَعْيَانِ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَكْفِيك لَهُمَا طَوَافُك الأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَعْنِي الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَلَفَ لِي طَاوُسٍ مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِلْقَارِنِ طَوَافًا وَاحِدًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ خِلاَفَ مَا يَحْفَظُ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، حدثنا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا تُخِصُّ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَكُنْتُ مُهْدِيًا يَعْنِي سُوقَ الْهَدْيِ قَبْلَ الإِحْرَامِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ, وَالزُّهْرِيِّ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَإِسْحَاقَ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَدَاوُد, وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ, وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصُّبَيّ بْنَ مَعْبَدٍ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ, وَلَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمَا وَأَهْدَى, وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, وَيس الزَّيَّاتِ قَالَ يَس: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ وَقَالَ عَبَّادٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ, ثُمَّ قَعَدَ فِي الْحِجْرِ سَاعَةً, ثُمَّ قَامَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لِحَجِّهِ, ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ. وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ, كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ; وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ; وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ, وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَزِيَادِ بْنِ مَالِكٍ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ, ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو نَصْرِ بْنُ عَمْرٍو, وَالرَّجُلُ السُّلَمِيُّ, وَالرَّجُلُ الْعُذْرِيُّ, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَابْنُ شُبْرُمَةَ كُلُّهُمْ عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: يَطُوفُ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ, ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَأَبُو إِسْحَاقَ كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ, وَسَعْيَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ, وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي, وَالشَّعْبِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَرُوِيَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ; وَأَشَارَ نَحْوَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَهَا هُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ حدثنا جَهْمُ بْنُ وَاقِدٍ الأَنْصَارِيُّ سَأَلَتْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ: قَرَنْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَالَ: تَطُوفُ طَوَافَيْنِ بِالْبَيْتِ وَيُجْزِئُك سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ; فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا; لأَِنَّهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ. قال أبو محمد: أَمَّا مَا شَغَبَ بِهِ, مَنْ يَرَى أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَاقِطٌ كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لاَ يَصِحُّ مِنْهُ, وَلاَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ, وَلَكِنَّهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ صَحِيحٌ إلاَّ عَنْ الأَسْوَدِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ. أَمَّا حَدِيثُ الضَّبِّيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ الضَّبِّيَّ, وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ, وَلاَ أَدْرَكَ عُمَرَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ, وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ: مُجَاهِدٌ, وَمَنْصُورٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ الضَّبِّيِّ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ طَوَافًا, وَلاَ طَوَافَيْنِ, وَلاَ سَعْيًا, وَلاَ سَعْيَيْنِ أَصْلاً; وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَطْ. وأما حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ; ثُمَّ هُوَ أَيْضًا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، وَلاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ. وأما حَدِيثُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ, فَعَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, وَيس, وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ, فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ, وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ. وَوَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَطَاءٍ, وَطَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَعُرْوَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِوَايَةُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ, كِلاَهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُفُونَاتِ الذَّفِرَةِ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وأما الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ فَأَبُو نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو, وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُذَيْنَةَ, وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ, وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ هُمْ وأما الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَابْنُ شُبْرُمَةَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ عَلِيًّا، وَلاَ وَلَدًا إلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ, وأما الرِّوَايَةُ عَنْ الْحُسَيْنِ ابْنِهِ, فَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وأما الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وأما أَبُو إِسْحَاقَ فَلَمْ يُولَدْ إلاَّ سَنَةَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ بَعْدَهَا. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَرِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرِوَايَةَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً, وَرِوَايَةَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ عَنْ جَابِرٍ, وَرِوَايَةَ مَالِكٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ, وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ كُلِّ مَنْ قَرَنَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ النَّطَائِحِ الْمُتَرَدِّيَاتِ, وَهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَكْدَحُ فِيهِ مَا جَاءَ بَعْدَهُ لَوْ جَاءَ فَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ مُطْرَحٌ. قال أبو محمد: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رَوَاهُ طَاوُسٍ, وَمُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرَوَاهُ عَطَاءٌ , وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ, وَرَوَاهُ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ, كُلُّهُمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَحْتَاجَ الْعُمْرَةُ إلَى عَمَلٍ غَيْرِ عَمَلِ الْحَجِّ, وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ; وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ السُّقَّاطِ الَّذِينَ يُؤْنَسُ بِالْخَيْرِ فَقْدُهُمْ مِنْهُ, وَيُوحَشُ مِنْهُ وُجُودُهُمْ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ يَطُوفَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ, نَعَمْ, إنَّهُ لَمِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ الثِّقَةِ الْمَأْمُونِ, لاَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ, وَعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, وَيس الزَّيَّاتِ, الْمُطْرَحَيْنِ الْمَتْرُوكَيْنِ. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ: أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْمَذْكُورِ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ عُمْرَةً فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ حُجَّةً خَالَفَ لَهَا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ, وَلَمْ يَجْعَلْ مَا رَوَاهُ ابْنُ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ: مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عُمْرَةً: حُجَّةً, فَمَا هَذَا التَّلاَعُبُ وَلَئِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ أُذَيْنَةَ عَنْ عَلِيٍّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةً: إنَّهَا لَحُجَّةٌ فِي الْوَجْهِ الآخَرِ, وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي الآخَرِ. ثُمَّ اعْتَرَضُوا فِي الآثَارِ الْوَارِدَةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَمَتِّعًا, وَلَوْ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا يَسْتَحْيِي مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ, ثُمَّ مِنْ الَّذِي إلَيْهِ مَعَادُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَرَدَعَهُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ. وَهَذَا الْخَبَرُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفِيهِ مِنْ تَمَتُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ, ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَوَصَفَ عَمَلَ الْقِرَانِ وَسَمَّاهُ: تَمَتُّعًا. وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِرَ بِهَذِهِ الْعَظِيمَةِ يُنَاظِرُ الدَّهْرَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا, ثُمَّ أَضْرَبَ عَنْ ذَلِكَ الآنَ وَجَعَلَ يُوهِمُ: أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا, وَهَذَا مِنْ الْغَايَةِ فِي السَّمَاجَةِ وَالصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ, وَاعْتَرَضَ فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ, وَدَعِي الْعُمْرَةَ, وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ, وَامْتَشِطِي, وَانْقُضِي رَأْسَكِ, وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَأَوْهَمَ هَذَا الْمُكَابِرُ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ: أَنَّهَا أَحَلَّتْ مِنْ الْعُمْرَةِ; وَهَذَا بَاطِلٌ لأَِنَّ مَعْنَى اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ, وَدَعِي الْعُمْرَةَ, وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ, وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ أَنْ تَدَعَ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَتَتْرُكَهُ, وَتَرْفُضَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ حَيْضِهَا, وَتُدْخِلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا, فَتَكُونَ قَارِنَةً, فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ حِينَئِذٍ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْحَجِّ. وأما نَقْضُ الرَّأْسِ وَالاِمْتِشَاطُ فَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الإِحْرَامِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ: بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا حِينَئِذٍ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكْفِيَهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِعُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا لَوْلاَ الْهَوَى الْمُعْمِي الْمُصِمُّ الْمُقْحِمُ فِي بِحَارِ الضَّلاَلَةِ بِالْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا كَفَاهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا اللَّذَيْنِ كَانَتْ قَارِنَةً بَيْنَهُمَا; هَذَا مَا لاَ يَحِيلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ, وَلَمْ يَجِدْ مَا يُمَوِّهُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ, وَلاَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الصَّحَابَةِ طَافُوا لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. فَرَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجِّهِ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ, فَلَمْ يَقُلْ مَا قَالَ إلاَّ عَنْ عِلْمٍ فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: إنَّك تَنْسِبُ إلَى عَلِيٍّ الْبَاطِلَ, وَقَوْلاً لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ قَطُّ, ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ أَبْطَنَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ عَلِيٍّ; وَإِذْ صَارَ عَلِيٌّ هَاهُنَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَإِطْرَاحُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ; وَأَقْوَالِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لِقَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ, فَهَلاَّ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ, وَمِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسَ شِيَاهٍ; وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ لِمَا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا تَرَكُوا هَاهُنَا وَلَكِنَّ الْهَوَى إلَهٌ مَعْبُودٌ وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ قَالَتْ لاُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي بَيْعِهَا غُلاَمًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ, ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ, وَجَابِرٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ, وَلَكِنْ حَسْبُهُمْ وَنَصْرُ الْمَسْأَلَةِ الْحَاصِلَةِ الْحَاضِرَةِ بِمَا يُمْكِنُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى – التَّوْفِيقُ .
|